. غزوة احد
دارت غزوة احد أحد يوم السبت 23 مارس 625 ميلادي (7 شوال-3 هجري) في وادي شمال جبل أحد بالقيادة أبو سفيان بن حرب وجيشه مكون من 3000 رجل باتجاه النبي محمد في المدينة المنورة كانت المعركة هي المعركة الوحيدة طوال (حرب المسلمين وقريش) التي لم يتمكن فيها المسلمون من هزيمة عدوهم وجائت بعد عام واحد فقط من غزوة بدر
معلومات المعركة
تاريخ : 23 مارس 625 ميلادي
موقع : جبل احد شمال مدينة المنورة (السعودية)
نتيجة : انتصار قريش وانسحاب مسلمين
المتحاربون
مسلمين قريش
القادة
النبي محمد ابو سفيان
ابو بكر الصديق خالد بن الوليد
عمر بن الخطاب عمرو بن عاص
علي بن ابي طالب عكرمة بن ابي جهل
منذر بن عمرو هند بنت عتبة
الزبير بن عوام
الاسدي
عبد الله بن ابيي
عبادة بن الصامت
عبد الله بن جبير (انقتل)
حمزة بن عبد المطلب (انقتل)
مصعب بن عمير (انقتل)
القوة
700 مشاة 3000 مشاة
50 رماة 3000 جمل
4 فرسان 200 فرسان
الخسائر
70 قتيل 22 قتيل
معلومات اضافية
أصبح أبو سفيان القائد الفعلي لقريش بعد وفاة عمرو بن هشام في بدر قبل تسعة أشهر رغبة منه في الانتقام لخسائر مكة في غزوة البدر سار على المدينة المنورة من مكة في 10 ديسمبر 624 ميلادي بالقوة أقوى بالثلاث مرات من قوة المكيين في بدر سبب آخر للمعركة كان حماية الطريق التجاري لقوافل أبو سفيان كانت معركة أحد المواجهة العسكرية الثانية بين قريش والمسلمين والأولى التي وقف فيها المسلمون في الجانب الدفاعي استعد المسلمون للحرب بعد ذلك بالوقت قصير وقاتل الجيشان في الوادي أسفل الوجه الشمالي لجبل أحد
على الرغم من أن المسلمين كانوا يفوقون عددهم فقد حصلوا على المبادرة المبكرة وأجبروا الخطوط القريشية على التراجع وبالتالي تركوا الكثير من المعسكر القريشي بدون حماية عندما بدت المعركة على بعد خطوة واحدة فقط من انتصار مسلمين حاسم ارتكب جزء من الجيش الإسلامي خطأً فادحاً غير نتيجة المعركة مخالفة أوامر النبي محمد من قبل الرماة المسلمين الذين تركوا مواقعهم المخصصة لنهب المعسكر القريشي سمح لهجوم مفاجئ من سلاح الفرسان بالقيادة المحارب القريشي المخضرم خالد بن الوليد التي جلبت الفوضى لصفوف المسلمين قُتل العديد من المسلمين وأصيب محمد نفسه بالجروح بالغة كان على المسلمين أن ينسحبوا من منحدرات أحد لم يطارد قريشين المسلمين أكثر لأن جبل أحد كان به تضاريس صعبة لكنهم عادوا إلى مكة معلنين النصر بالنسبة لمسلمين كانت المعركة انتكاسة كبيرة على الرغم من أنهم كانوا على وشك توجيه قريش لمرة الثانية إلا أن خرقهم لأوامر النبي محمد لصالح جمع الغنائم المكية كان له عواقب وخيمة اجتمع الجيشان مرة أخرى في عام 627 في غزوة الخندق حيث كان على المسلمين مرة أخرى الدفاع عن المدينة المنورة من قريش وغيرهم وانتصرهم بالنهاية الغزوة
اسباب المعركة
في معركة بدر في مارس 624 ميلادي فقدت قريش 70 قتيل و70 اسير من رجالهم بمن فيهم عمرو بن هشام خصم محمد الذي قاد الجيش في بدر ضد المسلمين يعتبر المسلمون أن انتصار محمد في بدر كان بسبب دعائهم لـ الله سبحانه وتعالى ويعتقد المسلمون في زمن النبي محمد أنهم حصلوا على مثل هذه الانتصارات في المستقبل بعد وفاة العديد من القادة المهمين في بدر انتقلت قيادة قريش إلى أبو سفيان الذي نهى عن الحداد على الخسائر في بدر حرصاً على الانتقام من النبي محمد تعهد بشن غارة انتقامية على مدينة المدينة المنورة بعد عدة أشهر رافق أبو سفيان مجموعة من 200 رجل إلى المدينة وحصل على إقامة مؤقتة مع زعيم القبيلة اليهودية بني ندير وتعلم المزيد عن الوضع في المدينة المنورة ثم غادر المدينة المنورة وأحرقوا منزلين ودمروا بعض الحقول وفاءً لنذره ومزيد من المناوشات بين قريش والمسلمين ستحدث بعد ذلك بعد بضعة أشهر جمع أبو سفيان قوة مشتركة قوامها أكثر من 3000 رجل للانتقام من المسلمين لخسائر في بدر
المعركة
وصول قريش لمدينة المنورة
سلكت قريش مع حلفائها الطريق الغربية الرئيسية وعند وصولهم إلى الأبواء اقترحت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان على الجيش أن يقوم بالنبش قبر أم النبي محمد لكنه رفض الطلب لما قد يكون له من عواقب وخيمة وتابع الجيش مسيره حتى اقترب من المدينة المنورة فاعبر من وادي العقيق الذي يقع شمال المدينة المنورة بالجانب أحد ثم انحرف إلى جهة اليمين حتى وصل مكاناً يدعى عينين في منطقة بطن السبخة عند قناة على شفير الوادي وعسكر هناك وعندما علم المسلمون بالتقدم قريش وحلفائها أمر النبي محمد السكان بالبقاء في المدينة بالحيث إذا أقامت قريش في معسكرها كانت إقامتهم بلا فائدة وإذا قرروا دخول المدينة يدافع عنها الرجال في مداخل الأزقة والنساء على سطوح البيوت ووافقه على هذا الرأي (زعيم المنافقين) عبد الله بن أبي سلول كي يستطيع الانسحاب من المعركة دون أن يعلم أحد بالذلك
عندما تقارب الجمعان وقف أبو سفيان ينادي أهل يثرب بالعدم رغبة مكة في قتال يثرب واستناداً إلى سيرة الحلبي فإن عرض أبو سفيان قوبل بالاستنكار والشتائم وهنا قامت زوجته هند بنت عتبة مع نساء قريش يضربن الدفوف ويغنين :
نحن بنات طارق
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
وإن تدبروا نفارق
فراقاً غير وامق
وجعلت هند تقول :
ويها بني عبد الدار
ويها حماة الأديار
ضربا بكل بتار
فاتقدم رجال من بني عبد الدار من قريش، وكانت فيهم سدانة الكعبة ولواء قريش، وعقد جيش مكة ثلاثة ألوية لواء مع طلحة بن أبي طلحة العبدري القرشي ولواء مع سفيان بن عويف الحارثي الكناني ولواء مع رجل من الأحابيش من كنانة
وأعطى الرسول راية جيشه لمصعب بن عمير وهو أيضاً من بني عبد الدار من قريش وجعل الزبير بن العوام قائدا لأحد الأجنحة والمنذر بن عمرو قائداً لجناح الآخر ورفض النبي محمد مشاركة أسامة بن زيد وزيد بن ثابت في المعركة لصغر سنهما ودفع الرسول سيفه إلى أبي دجانة الأنصاري وكان مشهورا بالوضع عصابة حمراء أثناء القتال وكان مشهوراً أيضا بالشجاعة والتبختر بين الصفوف قبل بدء المعركة وقال فيه الرسول واستنادا إلى السهيلي في كتابه (الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية) (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن)
بدأت المعركة عندما هتف الرسول برجاله (أمت أمت) واستطاع المسلمون قتل أصحاب اللواء من بني عبد الدار من قريش فاستطاع علي بن أبي طالب قتل طلحة الذي كان حامل لواء قريش فأخذ اللواء بعده شخص يسمى أبو سعد ولكن سعد بن أبي وقاص تمكن من قتله وآخر من حمل اللواء صوأب وهو عبد حبشي لبني عبد الدار فلما قتل رفعته عمرة بنت على قمة الحارثية الكنانية زوجة غراب بن سفيان بن عويف الكناني فلاثوا به وبقي اللواء مرفوعاً وفي هذا يقول حسان بن ثابت :
فخرتم باللواء وشر فخر لواء حين رد إلى صؤاب
جعلتم فخركم فيه بعبد وألأم من يطا عفر التراب
ظننتم، والسفيه له ظنون وما إن ذاك من أمر الصواب
بأن جلادنا يوم التقينا بمكة بيعكم حمر العياب
وقال أيضا :
إذا عضلٌ سيقت إلينا كأنها جدايةُ شركٍ مُعْلَمات الحواجب
أقمنا لهم طعنا مبيرا منكِّلا وحزْناهُم الضرب من كل جانب
فلولا لواءُ الحارثيةِ أصبحوا يُباعونَ في الأسواق بَيْعَ الجلائب
وفي هذه الأثناء انتشر المسلمون على شكل كتائب متفرقة واستطاعت نبال المسلمين من إصابة الكثير من خيل قريش وتدريجياً بدأ جيش قريش بإلقاء دروعهم وتروسهم تخففاً لهرب وآخر وفي هذه الأثناء صاح الرماة الذين تم وضعهم على الجبل (الغنيمة الغنيمة) ونزل 40 منهم إلى الغنيمة بينما بقيت ميمنة خالد بن الوليد وميسرة عكرمة بن أبي جهل ثابتة دون حراك وفي هجمة مرتدة سريعة أطبقت الأجنحة على وسط المسلمين وتمكنت مجموعة من جيش قريش من الوصول إلى موقع النبي محمد
بعد المعركة
انتهت المعركة بأخذ قريش ثأرها فقد قتلوا 70 مسلماً بالسبعين مقاتلاً من مكة يوم غزوة بدر وفي سورة آل عمران إشارة إلى هذا حيث ينص الآية 165 (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وكان من القتلى 4 من المهاجرين ومسلم قتل عن طريق الخطأ على يد مسلمين آخرين وكان اسمه اليمان أبا حذيفة فأمرهم النبي محمد أن يخرجوا ديته وكانت خسائر أهل قريش حوالي 23 مقاتلاً وأمر الرسول أن يدفن قتلى المسلمين حيث أستشهدوا بالدمائهم وألا يغسلوا ولا يصلى عليهم وكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد
وقد حزن النبي محمد على مقتل عمه حمزة قال ابن مسعود : ما رأينا رسول الله باكياً قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشع من البكاء وروي أنه (كان رسول الله يعز حمزة ويحبه أشد الحب فلما رأى شناعة المثلة في جسمه تألم أشد الألم وقال : لن أصاب بالمثلك أبداً ما وقفت قط موقفاً أغيظ إلي من هذا)
اشاعة مقتل النبي محمد
استناداً إلى الطبري فإنه عند الهجوم على الرسول تفرق عنه أصحابه وأصبح وحده ينادي «إليّ يا فلان، إليّ يا فلان، أنا رسول الله» واستطاع عتبة بن أبي وقاص الزهري القرشي أن يصل إلى الرسول ويكسر خوذة الرسول فوق رأسه الشريف وتمكن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي من أن يحدث قطعا في جبهة الرسول وتمكن عبد الله بن قمئة الليثي الكناني من كسر أنفه وفي هذه الأثناء لاحظ أبو دجانة حال الرسول فانطلق إليه وارتمى فوقه ليحميه فكانت النبل تقع في ظهره وبدأ مقاتلون آخرون يهبون لنجدة الرسول منهم مصعب بن عمير وزياد بن السكن وخمسة من الأنصار فدافعوا عن الرسول ولكنهم قتلوا جميعا وعندما قتل عبد الله بن قميئة الليثي الكناني الصحابي مصعب بن عمير ظن أنه قتل الرسول فصاح مهللا (قتلت محمدا) ولكن الرسول في هذه الأثناء كان يتابع صعوده في شعب الجبل متحاملا على طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام واستنادا إلى رواية عن الزبير بن العوام فإن تلك الصرخة كانت عاملا مهما في هزيمة المسلمين حيث قال ابن العوام (وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا)
هناك آراء متضاربة عن الشخص الذي أطلق تلك الصيحة التي اشتهرت عند المسلمين باسم صرخة الشيطان فيقول البيهقي (وصاح الشيطان قتل محمد) بينما يقول ابن هشام (الصارخ إزب العقبة، يعني الشيطان) وهناك في سيرة الحلبي الصفحة 503 المجلد الثاني، رواية عن عبد الله بن الزبير أنه رأى رجلا طوله شبران فقال من أنت؟ فقال إزب فقال بن الزبير ما إزب؟ فقال رجل من الجن
وقد أقبل أبي بن خلف الجمحي القرشي على النبي عليه الصلاة والسلام وكان قد حلف أن يقتله وأيقن أن الفرصة سانحة، فجاء يقول : (يا كذّاب أين تفر!) وحمل على الرسول بسيفه، فقال النبي : بل أنا قاتله إن شاء الله، وطعنه في جيب درعه طعنة وقع منها يخور خوار الثور، فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات. ومضى النبي يدعو المسلمين إليه، واستطاع بالرجال القلائل الذين معه أن يصعد فوق الجبل، فانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة وقت الفرار. ووجد النبي بقية من رجاله يمتنع بهم، وعاد لهؤلاء صوابهم إذ وجدوا الرسول حياً وهم يحسبونه مات.
ويبدو أن إشاعة قتل النبي سرت على أفواه كثيرة، فقد مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين ألقوا أيديهم وانكسرت نفوسهم فقال : ما تنتظرون قالوا : (قتل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم) فقال : (وما تصنعون بالحياة بعده؟. قوموا فموتوا على ما مات عليه) ثم استقبل المشركين فما زال يقاتلهم حتى قتل
روى مسلم: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما أرهقه المشركون قال : من يردهم عني وله الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه، فقال من يردهم عني وله الجنة، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة. فقال رسول الله (ما أنصفنا أصحابنا -يعني من فَرُّوا وتركوه) وقتل من جيش أهل مكة أولاد سفيان بن عويف الكناني الأربعة : أبو الحمراء وأبو الشعثاء وخالد وغراب فتركت هذه الاستماتة أثرها، ففترت حدَّة قريش في محاولة قتل الرسول، وثاب إليه أصحابه من كل ناحية وأخذوا يلمون شملهم ويزيلون شعثهم. وأمر النبي صحبه أن ينزلوا قريشاً من القمة التي احتلوها في الجبل قائلاً : ليس لهم أن يعلونا، فحصبوهم بالحجارة حتى أجلوهم عنها.
وقد نجح الرماة حول النبي محمد كالسعد بن أبي وقاص وأبو طلحة الأنصاري في رد المشركين الذين حاولوا صعود الجبل، وبذلك أمكن المسلمين الشاردين أن يلحقوا بالنبي ومن معه.
وقد أصاب الصحابة التعب والنعاس فقد داعب الكرى أجفان البعض من طول التعب والسهر، فإذا أغفى وسقط من يده السيف عاودته اليقظة فتأهب للعراك من جديد ويقول المسلمون ان هذا من نعمة الله على القوم فقد جاء في القرآن (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
وظن المسلمون لأول وهلة أن قريشاً تنسحب لتهاجم المدينة نفسها، فقال النبي لعلي بن أبي طالب : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنَّ إليهم ثم لأناجزنهم فيها. قال علي : فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل واتجهوا إلى مكة
هناك رواية أن هند بنت عتبة بقرت عن كبد حمزة بن عبد المطلب فلاكته فلم تستطعه فلفظته وبعد أن احتمى المسلمون بصخرة في جبل أحد تقدم أبو سفيان من سفح الصخرة ونادى (أفي القوم محمد) ؟ ثلاث مرات لم يجبه أحد ولكن أبا سفيان استمر ينادي (أفي القوم ابن أبي قحافة) ؟ (أفي القوم ابن الخطاب) ؟ ثم قال لأصحابه (أما هؤلاء فقد قتلوا) ولكن عمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه وقال (كذبت والله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم) ثم صاح أبو سفيان (الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم ببدر فقال الرسول محمد (الله أعلى وأجل لا سواء ! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار)
ومن المواقف الشهيرة في هذه المعركة موقف أبو دجانة فقد روى ثابت "عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال أنه أمسك يوم "أحد" بسيف ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجم القوم. فاقال أبو دجانة : أنا آخذه بحقه، فأخذه فافلق به هام المشركين قال ابن إسحاق كان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها عُلِم أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم تعصَّب وخرج يقول :
أنا الذي عاهدني خليلـي ونحن بالسفح لدى النخيـل
ألاَّ أقوم الدهر في الكيول أضرب بالسيف الله والرسـول
موقف حنظلة بن أبي عامر
خرج حنظلة بن أبي عامر من بيته حين سمع هواتف الحرب، وكان حديث عهد بالعرس، فانخلع من أحضان زوجته، وهرع إلى ساحة الوغى حتى لا يفوته الجهاد وهو جنب فاستشهد وسمي بالغسيل الملائكة
ومنها ما فعله سعد بن الربيع فقد روى ابن إسحاق : (قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فاقال رجل من الأنصار : أنا. فانظر، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق. فقال له : إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أمرني أن أنظر، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فاقال : أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم سلامي! وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته! وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف)
قال ابن أبي الحديد : (وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين، وهو من الأخبار المشهورة، ووقفتُ عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سكينة عن هذا الخبر، فاقال خبر صحيح، فاقلت : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال : أو كلّما صحيحاً تشتمل عليه كتبُ الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة)
بعض صور تضحيات الصحابة يوم أحد
تضحية أنس بن النضر
أنس بن النضر سمع في غزوة أحد أن الرسول قد مات، وأنه قتل، فمر على قوم من المسلمين قد ألقوا السلاح من أيديهم، فقال لهم : (ما بالكم قد ألقيتم السلاح؟) فاقالوا : (قتل رسول الله) فقال أنس : (فما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله)
واندفع أنس بن النضر في صفوف القتال، فلقي سعد بن معاذ، فقال أنس: «يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد»، وانطلق في صفوف القتال فقاتل حتى قتل، وما عرفته إلا أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم وقد كان أنس لم يشارك غزوة بدر فاعزم النية لله على أنه في الغزوة القادمة سوف يفعل ما لا يفعله أحد وصدقت نيته إذا كانت غزوة أحد بعد بدر بالسنة واحدة
تضحية سعد بن الربيع
سعد بن الربيع الأنصاري سأل عنه النبي زيداً بن ثابت قائلاً : (يا زيد ! ابحث عن سعد بن الربيع بين القتلى في أحد فإن أدركته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله : كيف تجدك؟) أي : كيف حالك؟ وانطلق زيد بن ثابت ليبحث عن سعد بن الربيع الأنصاري فوجده في آخر رمق من الحياة، فقال له : (يا سعد! رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك : كيف تجدك؟) فاقال سعد بن الربيع لزيد بن ثابت : (وعلى رسول الله وعليك السلام، وقل له : (إني والله لأجد ريح الجنة) ثم التفت سعد وهو يحتضر إلى زيد بن ثابت، وقال : (يا زيد بلغ قومي من الأنصار السلام، وقل لهم : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروه وفيكم عين تطرف)
تضحية عمرو بن الجموح
ذُكر ان عمرو بن الجموح رجل أعرج لا جهاد عليه، فقد أسقط الله عنه الجهاد، لكنه سمع نداء : يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، وأراد أن ينطلق للجهاد في المعركة فاقال أبناؤه الأربعة : (يا أبانا لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك) فابكى عمرو بن الجموح وانطلق إلى النبي ليشتكي قائلاً : (يا رسول الله! إن أبنائي يمنعوني من الخروج للجهاد
في سبيل الله ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فاقال النبي : يا عمرو فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله جل وعلا ومع ذلك رأى النبي رغبة عارمة في قلب عمرو بن الجموح لخوض المعركة، فالتفت النبي إلى أبنائه الأربعة قائلاً لهم : لا تمنعوه! لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله وانطلق عمرو بن الجموح يبحث عن الشهادة في سبيل الله، وقتل في المعركة. ومر عليه النبي بعدما قتل فاقال : والله لكأني أنظر إليك تمشي برجلك في الجنة وهي صحيحة
تضحية أم عمارة
لم يشترك من نساء المسلمين في تلك المعركة إلا امرأة واحدة هي أم عمارة نسيبة بنت كعب النجارية الخزرجية فلما رأت النبي في أرض المعركة قد تكالب عليه أعداؤه من يمنة ويسرة رمت القراب التي كانت تسقي بها جرحى المسلمين، وأخذت تدافع عنه. فقال الرسول عنها : (ما رأيت مثل ما رأيت من أم عمارة في ذلك اليوم، ألتفتُ يمنة وأم عمارة تذود عني، والتفت يسرة وأم عمارة تذود عني) وقال لها النبي في أرض المعركة: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟! سليني يا أم عمارة قالت: أسألك رفقتك في الجنة يا رسول الله قال : (أنتم رفقائي في الجنة)
تضحيات شباب الأنصار
لما رأى النبي هجوم الكفار قال لنفر ممن حوله من شباب الأنصار: (من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة) فتسابقوا حتى قتلوا جميعاً واحداً تلو الآخر وهم ستة من الرجال
مقتل مخيريق
قال ابن إسحاق: «وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون من اليهود، قال : لما كان يوم أحد، قال :يا معشر اليهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا : إن اليوم يوم السبت قال : لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته وقال : إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء ثم غدا إلى الرسول فاقاتل معه حتى قتل فاقال رسول الله : فيما بلغنا مخيريق خير اليهود)
ذكر غزوة احد في القران
ورد ذكر معركة أحد في عدة آيات قرآنية، ففي كتاب فقه السيرة يقول الغزالي :
مزج العتاب الرقيق بالدرس النافع وتطهير المؤمنين، حتى لا يتحول انكسارهم في الميدان إلى قنوط يفل قواهم، وحسرة تشل إنتاجهم
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
بيَّن أن المؤمن مهما عظمت بالله صلته فلا ينبغي أن يغتر به أو يحسب الدنيا دانت له، أو يظن قوانينها الثابتة طوع يديه
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)
لقد جمع محمد الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله والذين ارتبطوا به عرفوه إماماً لهم في الحق وصلة لهم بالله. فإذا مات عبد الله ظلَّت الصلة الكبرى بالحيِ الذي لا يموت باقية نامية
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)
تعليقات
إرسال تعليق